فصل: تفسير الآيات (1- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.سورة الانشقاق:

مكيّة. وهي خمس وعشرون آية، ومائة وسبع كلمات، وأربع مائة وأربع وثلاثون حرفاً.
أخبرني سعيد بن محمد وكامل بن أحمد ومحمد بن القاسم قالوا: أخبرنا محمد بن مطر قال: حدّثنا إبراهيم بن شريك قال: حدّثنا أحمد بن يونس قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أُبيّ بن كعب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة انشقت أعاذه الله سبحانه أن يعطيه كتابه وراء ظهره».
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 25):

{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15) فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}
{إِذَا السمآء انشقت} أي سمعت أمر ربها بالإنشقاق وطاعته {وَحُقَّتْ} أي وحق لها أن تطيع ربّها وحق الله ذلك عليه.
{وَإِذَا الأرض مُدَّتْ} مدّ الأديم العكاظي وزيد في سعتها. {وَأَلْقَتْ} أخرجت {مَا فِيهَا} من الموتى والكنوز {وَتَخَلَّتْ} وخلت فليس في باطنها شيء. {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}، واختلفوا في جواب قوله: {إِذَا السمآء انشقت} فقيل جوابه متروك؛ لأنّ المعنى مفهوم، وقيل جوابه {ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ} ومجازه: إذا السماء انشقت لقي كل كادح ما عمله، قال المبّرد: فيه تقديم وتأخير تقديره {ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ} {إِذَا السمآء انشقت}، وقيل: جوابه {وَأَذِنَتْ}، وحينئذ يكون الواو زائدة.
ومعنى قوله: {كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً} أي عامل واصل به إلى ربّك عملا فملاقيه ومجازى به خيراً كان أو شراً، وقال القتيبي ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك، والكدح: السعي والجهد في الأمر حتى يكدح ذلك فيه، أي يؤثّر ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله ما يغنيه جاءت مسلته يوم القيامة خدوشاً أو خموشاً أو كدوحاً في وجه» أي أثر الخدش، قال ابن مقبل:
وما الدهر إلاّ تارتان فمنهما ** أموت وأُخرى أبتغي العيش أكدح

وأخبرني الحسين قال: حدّثنا موسى قال: حدّثنا ابن علوية قال: حدّثنا إسماعيل قال: حدّثنا إسحاق بن بشر عن سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «النادم ينتظر الرحمة والمعجب ينتظر المقت وكل عامل سيقدم على ما سلف».
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ} ديوان أعماله {بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً}. أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن مندة قال: حدّثنا محمد بن غالب قال: حدّثني سعيد بن سليمان قال: حدّثنا مبارك بن فضالة عن أيوب عن أبي مليكة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يحاسب يعذّب» قالوا: يا رسول الله أليس قد قال الله سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} قال: «ذاكم العرض ولكن من نوقش الحساب عذّب».
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ} فتغُلّ يده اليمنى إلى عنقه وتجعل يده الشمال وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره، وقال مجاهد: يخلع يده وراء ظهره.
{فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً} ينادى بالويل والهلاك {ويصلى سَعِيراً} قرأ أبو جعفر وأيوب وكوفي غير الكسائي بفتح الياء والتخفيف واختاره أبو عبيد لقوله سبحانه: {إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} [الصافات: 163]، وقوله: {يَصْلَى النار الكبرى} [الأعلى: 12] وقرأ الباقون بضم الياء وتشديد اللام، واختاره أبو حاتم لقوله سبحانه: {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} [الحاقة: 31] {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 94] {إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً} سمعت السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم المصري يقول: قال ابن عطاء لنفسه متابعاً ساعياً.
{إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} يرجع إلينا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بك من الحور بعد الكور» وقال ابن عباس: كنت لا أدري ما معنى يحور حتى سمعت إعرابية تدعوا بنيةً لها فتقول: حوري حوري أي أرجعي، وقال الشاعر:
وما المرء إلاّ كالشهاب وضوءه ** يحور رماداً بعد إذ هو ساطع

ثم قال: {بلى}، أي ليس كما ظن بلى يحور إلينا ويبعث.
{إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً * فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق} قال مجاهد وغيره: هو النهار كلّه، عكرمة: ما بقى من النهار، وقال ابن عباس وأكثر الناس: هو الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشمس وبغيبوبته يتعلّق أول وقت العشاء الآخرة وإليه ذهب من الصحابة ابن مسعود وابن الزبير وعمر وابنه وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأنس بن مالك وأبو قتادة الأنصاري وأبو هريرة وجابر بن عبد الله ومن التابعين سعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير وطاووس وعبد الله بن دينار ومكحول، ومن الفقهاء مالك والأوزاعي والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وابن عبيد وأحمد وإسحاق، وقال قوم: هو البياض، وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة، والأختيار القول الأول؛ لأجماع العبادلة عليه، ولأن الشواهد في كلام العرب وأشعارهم تشهد له، قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: الثور أحمر كأنه الشقق، وقال الشاعر:
أحمر اللون كمحمر الشقق

وقال آخر:
قم ياغلام أعني غير محتشم ** على الزمان بكأس حشوها شفق

ويقال للحفرة الشفق، وزعم الحكماء أنَّ البياض لا يغيب أصلا قال الخليل: صعدت منارة اسكندرية فرمقت البياض فرأيته يتردّد من أفق إلى أفق ولم أره يغيب، والله أعلم بالصواب.
{والليل وَمَا وَسَقَ} أي جمع وجمل، ويقال: وسقته أسقه وسقاً، ومنه قيل للطعام المجتمع الكبير: وسق وهو ستون صاعاً، وطعام موسّق أي مجموع في غرارة ووعاء، وقال مجاهد: برواية ابن أبي بحج: وما آوي فيه من دابة، منصور عنه: ومالفّ وأظلم عليه ودخل فيه، عكرمة: وما جمع فيه منّ دوابة وعقاربة وحيّاته وظلمته، ضحاك ومقاتل: وما ساق من ظلمه فاذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه، وقال الأستاذ أبو القاسم بن حبيب: شيبه أن يكون على هذا القول من المقلوب، لأن أصل ساق يسوق، عثمان: حمل من الظلمة، أبو حيان: أقبل من ظلمة أو كوكب، سعيد بن جبير: وما عمل فيه، وروى ابن أبي مليكة وابن جبير عن ابن عباس: وما جمع قال: ألم تسمع قول الشاعر:
أن لنا قلائصاً حقائقاً ** مستوسقات لو يجدن سائقاً

{والقمر إِذَا اتسق} أي أجتمع واستوى وتمّ نوره، قتادة: إذا أستدار وقيل: سار، مرّة الهمداني: أرتفع وهو في الأيام البيض، ويقال: أتسق الشيء إذا تتابع، واستوسق من الأبل إذا أجتمعت وأنضمت وهو أفتعل من الوسق.
{لَتَرْكَبُنَّ} قرأ أهل مكة والكوفة إلاّ عاصماً بفتح التاء، وهي قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه وابن عباس وأبي العالية، وقالوا: يعني لتركبن يامحمد سماء بعد سماء ودرجة بعد درجة ورتبة بعد رتبة، وقيل: أراد به السماء تتغير لون بعد لون فتصير تارة كالدهان وتارة كالمهل وتشقق بالغمام مرّة ويطوي أخرى، وقرأ الآخرون بضمّة وأختاره أبو عبيد قال: لأنَّ المعنى بالناس أشبه منه بالنبي صلى الله عليه وسلم إنَّما ذكر قبل الآية من يؤتى منهم كتابة بيمينه وشماله ثم قال: بعدّها فمالهم لا يؤمنون وذكر ركوبهم طبقاً بعد طبق بينهما.
واختلف المفسرون في معنى الآية فقال أكثرهم: حالاً بعد حال وأمراً بعد أمر في مواقف القيامة عن محمد بن مروان عن الكلبي، حيان عنه: مرّة يعرفون ومرة يجهلون، قاتل: يعني الموت ثم الحياة ثم الموت ثم الحياة، عطا: مرّة فقرأ ومرة غنى، عمرو بن دينار عن ابن عباس: الشدائد والأهوال الموت ثم البعث ثم العرض، والعرب تقول لمن وقع في أمر شديد: وقع في بنات طبق وفي أخرى بنات طبق، أبو عبيدة: لتركبن سنن من كان قبلكم وأحوالكم، عكرمة: حالا بعد حال، رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ، قالت الحكماء: يشتمل الأنسان من كونه نطفة إلى أن يهرم ويموت على سبعة وثلاثين حالا من سبعة وثلاثين اسماً: نطفة ثم علقة ثم مضعة ثم خلقاً آخر ثم جنيناً ثم وليداً ثم رضيعاً ثم فطيماً ثم يافعاً ثم ناشئاً ثم مترعرعاً ثم حزوراً ثم مراهقاً ثم محتلماً ثم بالغاً ثم أمرد ثم طارداً ثم طارا ثم باقلا ثم مسيطراً ثم مطرخما ثم مختطاً ثم صملا ثم ملتحياً ثم مستوياً ثم مصعداً ثم مجتمعاً والشاب يجمع ذلك كلّه ثم ملهوزاً ثم كهلاً ثم أشمط ثم شيخاً ثم أشيب ثم حوقلاً ثم صفتاناً ثم هرماً ثم ميتاً، فهذا معنى قوله سبحانه وتعالى: {لَتَرْكَبُنَّ}.
{طَبَقاً عَن طَبقٍ} والطبق في اللغة الحال، قال الأقرع بن حابس:
إني أمرؤ قد حلبت الدهر أشطره ** وساقني طبق منه إلى طبق

فلست أصبو إلى خل يفارقني ** ولا تقبض أحشائي من الفرق

وأنشدني أبو القاسم عبد الله بن محمد البابي قال: أنشدني أبو سعيد عثمان بن جعفر بن نصره الموصلي قال: أنشدنا أبو يعلي أحمد بن علي المثنى:
الصبر أجمل والدنيا مفجعة ** من ذا الذي لم يذق من عيشه رنقاً

إذا صفا لك من مسرورها طبق ** أهدى لك الدهر من مكروهها طبقاً

وقال مكحول في هذه الآية: في كل عشرين عاماً يحدثون أمراً لم يكونوا عليه، وهذا أدلّ دليل على حدث العالم وأثبات الصانع، قالت الحكماء: من كان اليوم على حالة وغداً أخرى فليعلم أن يدبيره إلى سواه، وقيل لأبي بكر الوراق: ما الدليل على أنَّ لهذا العالم صانع فقال: تحويل الحالات وعجز القوة وضعف الأركان وقهر المنّة وفسخ العزيمة.
سمعت أبا القاسم المفّر يقول: سمعت أبا الفضل أحمد بن محمد بن حمدون النسّوي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن الأرزياني يقول: دخل أبو الفم علي بن محمد بن زيد العلوي بطبرستان عائداً فأنشأ يقول:
إني أعتللت ولا كانت بك العلل ** وهكذا الدَّهر فيه الصاب والعسل

إنَّ الذي لا تحل الحادثات به ** ولا يغير فيه الله لا الرجل

{فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القرآن لاَ يَسْجُدُونَ} لا يخضعون ولا يستكينون له، وقال الكلبي ومقاتل: لا يصلّون.
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يوسف بقرأتي عليه قال: أخبرنا مكّي قرأةً عليه سنة تسع عشر وثُلثمائه قال: حدّثني محمد بن يحيى قال: وفيها قرأ علي بن عبد الله بن نافع المدّني وحدّثني مطرف بن عبد الله عن مالك بن أنس عن عبد الله بن زيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن أحمد أنَّ أبا هريرة قرأ {إِذَا السمآء انشقت} [الإنشقاق: 1] فسجد فيها، فلما انصرف أخبرهم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها.
وأخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن نوح قرأه عليه سنة ست وثمانين وثلثمائة قال: أخبرنا أبو العباس السراج قال: حدثنا قتيبة عن الليث عن بكر عن نعيم بن عبد الله بن محمد قال: صليت مع أبي هريرة فوق هذا المسجد فقرأ {إِذَا السمآء انشقت} فسجد فيها وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها.
{بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ * والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} قال مجاهد: يكتمون، قتادة: يوعون في صدورهم، ابن زيد يجمعون من الأعمال الصالحة والسيئة. {فَبَشِّرْهُمْ} أخبرهم {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}. غير منقوص ولا مقطوع.

.سورة البروج:

مكية، هي اثنان وعشرون آية، كلمها مائة وتسع كلمه، وحروفها أربع مائة وثمانية وخمسون حرفاً.
أخبرني محمد بن القاسم قال: حدّثنا إسماعيل بن بخير قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال: حدّثنا سعيد بن حفص قال: قرأت على معقل بن عبد الله عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أُبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ {والسماء ذات البروج} أعطاه الله عز وجل من الأجر بعدد كل يوم جمعة وكلّ يوم عرفة يكون في دار الدنيا عشر حسنات».
وعن ابن الأنباري أنه قال: روي أن من قرأها أعطاه الله سبحانه وتعالى بعدد كل جمعة وعرفة ما سأل في الدنيا ويكونان مائة مائة حسنة ومائة درجة ويشفع يوم القيامة في عدد أهل منى حتّى يدخلهم الجنّة وله بعدد فرعون وعاد وثمود الذين كفروا منهم واللوح المحفوظ بعدد كل واحد منهم عتق رقبة مع ماله من المزيد.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)}
{والسمآء ذَاتِ البروج * واليوم الموعود * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}:
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن الطيّب قال: أخبرنا أبو سعيد عمرو بن منصور قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن سليمان بن الحسن قال: حدّثنا عبد الله بن موسى.
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا إبراهيم بن بهلويه قال: حدّثنا محمّد بن الصباح قال: أخبرنا مروان بن معاوية قال: أخبرنا موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد الأنصاري عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة، والمشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها بخير إلاّ استجاب له ولا يستعيذه من سوء إلا أعاذه منه».
وأخبرنا أبو العباس سهل بن محمد بن سعيد قال: حدّثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن حليم قال: أخبرنا أبو الموحة قال: أخبرنا عيدان قال: حدّثنا عبد الوارث عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم والمشهود يوم القيامة، ثم تلا هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً} [النساء: 41] ثم قال: ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود.
وأخبرني الحسين قال: حدّثنا محمد بن الحسن القطيني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يزيد العقيلي قال: حدّثنا صفوان بن صالح قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثني سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شاهد يوم الجمعة ومشهود يوم عرفة».
وأخبرنا الحسين قال: حدّثنا الكندي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن النعمان قال: حدثنا أبو طاهر سهل بن عبد الله قال: حدّثنا عمرو بن سواد بن الأسود قال: حدّثنا ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن سعيد بن أبي الهلال عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسيء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فأنَّه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإنَّ أحداً لا يصلّي عليَّ إلاّ عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ منها».
قال: قلت: وبعد الموت قال: «إنَّ الله سبحانه حرّم على الأرض أن يأكل أجساد الأنبياء فنبيَّ الله حيّ يرزق».
وأخبرني الحسين قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا أبراهيم بن سهلويه قال: حدّثنا أحمد بن إبراهيم النورقي قال: حدّثنا أبو غسان مالك بن ضيغم الراسبي قال: حدّثنا أبو سهل المنذراني عن خبّاب عن رجل قال: دخلت مسجد المدينة فأذا أنا برجل يحّدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس حوله فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود قال: نعم أمّا الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم عرفة، فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود.
قال: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر، فجزتهما إلى غلام كأنّ وجهه الدنيار وهو يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود قال: نعم أما الشاهد فمحمد صلى الله عليه وسلم وأمّا المشهود فيوم القيامة أما سمعته يقول: {ياأيها النبي إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب: 45] وقال عز وجل: {ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} [هود: 103] فسألت عن الأول فقالوا: ابن عباس، وسألت عن الثاني فقالوا: ابن عمر، وسألت الثالث فقالوا: الحسن بن علي.
وأخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن علي الدورقي بقراءتي عليه فأقرّ به قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن الشرقي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن بشر العبّدي قال: حدّثنا يزيد ابن هارون قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن ابن أبي نجح عن مجاهد في قوله سبحانه {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قال: الشاهد آدم والمشهود يوم القيامة. ليث عنه: الشاهد ابن آدم والمشهود يوم القيامة.
وقال الوالي عن ابن عباس: الشاهد الله والمشهود يوم القيامة، عكرمة: الشاهد الإنسان والمشهود يوم القيامة وعنه أيضاً: الشاهد الملك يشهد على آدم والمشهود يوم القيامة وتلا هاتين الآيتين {وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 21]، جابر بن عبد الله: الشاهد يوم القيامة والمشهود الناس.
محمد بن كعب: الشاهد أنت والمشهود هو الله، عطاء بن يسار: الشاهد آدم وذريته والمشهود يوم القيامة، الحسن: الشاهد الجمعة والمشهود يوم القيامة يشهده الأولون والآخرون، أبو ملك: الشاهد عيسى والمشهود أمّته، بيانه قوله سبحانه: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: 117] عبد العزيز بن يحيى: الشاهد محمّد والمشهود أمّته، بيانه قوله سبحانه: {وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً} [النساء: 41]. الحسين بن الفضل: الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم، بيانه قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس} [البقرة: 143]. سعيد بن المسيب: الشاهد يوم التروية والمشهود يوم عرفة، وقال سالم بن عبد الله: سألت سعيد بن حسن عن قوله سبحانه {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}، فقال: الشاهد هو الله والمشهود محمد بيانه قوله سبحانه: {وكفى بالله شَهِيداً} [النساء: 79]، وقوله سبحانه: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19]، وقيل: الشاهد أعضاء ابن آدم والمشهود ابن آدم بيانه قوله سبحانه: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} الآية [النور: 24]، وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن نحيد القطان البلخي يقول: الشاهد الحجر الأسود والمشهود الحجاج، وقيل: الشاهد الليالي والأيام والمشهود بنو آدم، دليله الخبر المروي: «ما من يوم إلاّ وينادي إني يوم جديد وإنّي على ما تفعل منّي شهيد فأغتنمني فلو غابت شمسي لم تدركني إلى يوم القيامة».
وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا محمد عبد الله بن أحمد بن الصديق يقول: سمعت أبا وائلة عبد الرحمن الحسيني المزني يقول: سمعت مطرفاً يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: خبّرت عن الحسن بن علي إنّه قال:
مضى أمسك الماضي شهيداً معدلا ** وأصبحت في يوم عليك شهيد

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة ** فثنِّ بأحسان وأنت حميد

ولا تُرج فعل الخير يوماً إلى غد ** لعل غداً يأتي وأنت فقيدُ

فيومك إن أعتبته عاد نفعه ** عليك وماضي الأمس ليس يعود

محمد بن علي الترمذي: الشاهد الحفظة والمشهود بني آدم، أنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدني أبي، قال: أنشدنا أبو بكر بن الأنباري ببغداد في كتاب الزاهر:
إنّ من يركب الفواحش سراً ** حين يخلو بذنبه غير خالي

كيف يخلوا وعنده كاتباه ** حافظاه وربه ذو المحال

وقيل: الشاهد الأنبياء والمشهود محمد صلى الله عليه وسلم بيانه قوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين} [آل عمران: 81] إلى قوله: {فاشهدوا وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين} [آل عمران: 81]، وقيل: الشاهد الله عزّ وجل والملائكة وأولوا العلم والمشهود {لاَ إله إِلاَّ الله} [الصافات: 35] بيان قوله سبحانه {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ} [آل عمران: 18]، وقيل: الشاهد الخلق والمشهود الحق وفيه يقول الشاعر:
أيا عجباً كيف يعصى الاله ** أم كيف يجحده الجاحدُ

ولله في كل تحريكة ** وفي كل تسكينة شاهد

وفي كل شيء له آية ** تدل على أنّه واحدُ

وقيل: الشاهد يوم الأثنين والمشهود يوم الجمعة، وقيل: الشاهد الحق والمشهود الخلق، وقيل: الشاهد أفعال العبد والمشهود العبد.